”صباح” تغرب هي .. لتشرق حياة من حولها
الأكثر مشاهدة
مرت عشرين عامًا منذ ودعت منزل أهلها وتركت موطنها الأول والحبيب إلى قلبها، خلفت وراءها أحلام المراهقة والصبا، وسارت بجانب رفيقها "قريبها" الذي زفت له منذ وقت قريب، في طريقها للقاهرة تلك المدينة التي قهرت أعدائها وربما أيضا أحبابها، يتحرك القطار بهم تاركًا عالم ألفته "صباح" لعالم آخر مجهول لكنها تخطو خطواتها إليه مبتسمة ابتسامة تليق بابنة العشرين القادمة لمدينة الألف المأذنة.
"صباح" تلك السمراء الأسوانية جاءت مع زوجها والذي كان يعمل غفيرًا لأحدى الحضانات، تبدأ مع حياتها بحلوها ومرها، يسكنون على أطراف المدينة، ترزق بولدين منه، وتستمر حياتها في سلام رتيب حتي ذهب زوجها يومًا لعمله ولكنه وقع له حادث في الطريق وأفقده الكثير من اتزانه، ليصبح بعد ذلك مريضًا بالزهايمر وتزداد حالته صعوبة وتزداد مشاكل مالية أخرى تضطر "صباح" كزوجة وأم حنونة أن تتولي هى "دفة" الأسرة فتنزل لسوق العمل، لكن ماذا ينتظرها وهي غير مؤهلة للعمل؟ ماذا تستطيع أنه تفعله؟
تأتي من تهمس لها بالعمل كـ "عاملة منازل" باليومية أي تقوم بالمساعدة في تنظيف البيت مقابل أجرة يومية، تترد صباح ماذا تفعل تحتاج للمال، لكنها تربت على أن شغل الست عيب، تخاف كذلك من معايرة الجيران لها ولأولادها بعملها، تزداد مخاوفها وتزداد المسئولية وتقرر العمل حتى لا تحتاج لأحد، لكنها لا تخبر أحد عن عملها حتى تحمي نفسها وأولادها من المعايرة، تعمل باليومية لأن زوجها المريض وأبناءها الصغار كانوا يحتاجون لها أيضًا، يتوفى زوجها بعد معاناة شديدة مع المرض، ويترك لها معاش بسيط، لكنها ترحم منه لفترة بحجة أنها زوجة ثانية وليس لها معاش بالرغم من كونها الزوجة الثانية والوحيدة لزوجها وقت وفاته، وبمساعدة محامي تمكنت من الحصول على حقها في المعاش، لكنه لم يكفى واستمرت في العمل، وبجانبه تقوم بعمل تطريز وبعض الكروشيه وأعمال يدوية أخرى، وتخيط ملابس أيَضَا لتحسين دخلها.
خلال سنواتها في العمل مرت عليها مواقف عديدة وسيدات منازل عدة، تحكي عنهن "في الكويسة وفي الوحشة"، ومن المواقف التي لا تنساها موقف مر عليها منذ أربع سنوات عندما ذهبت لسيدة ما وعملت معها من ثمانية صباحًا لثانية ليلًا، يومين في برد الشناء القارص ولم تأكل أو تدخل الحمام، وفي النهاية أعطتها السيدة حمسين جنيه، أخذتهم صباح وخجلت أن تعترض كل ما استطاعته تركت السيدة بلا عودة.
سنوات عديدة مرت على صباح أصبحت في الأربعينات وطفليها لم يعد صغيرين لكنها إلى الآن تخفى عليهم عملها، تخاف عليهم من المعايرة وقد تكون تخاف منهم من نظرة احتقار ودونية تطارد كل من تعمل كعاملة منازل، وكأنها سبة لكن هكذا يتصورها البعض، تخفي عملها عن عائلتها في أسوان، لا أحد يعلم ما تتحمله سواها، تسير بحملها دون شكوى.
الكاتب
نيرة حشمت
السبت ٣٠ أبريل ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا